القائمة الرئيسية

الصفحات

نموذج تطبيقي لتحليل ومناقشة نص فلسفي/ إنجاز ذ. عبد الواحد مبارك

نموذج تطبيقي لتحليل ومناقشة نص فلسفي
 إنجاز:  ذ. عبد الواحد مبارك/ ثانوية لمزم الاعدادية
    الامتحان الوطني الموحد الدورة العادية 2017، مسلك الآداب




مطلب الفهم (4ن)

يظهر بشكل جلي أن طبيعة الكائن البشري جعلت منه عاجزا عن إكفاء ذاته بذاته، مما يفرض ضرورة الانفتاح على أبناء جنسه، والتفكير في خلق جسور للتواصل معهم، قصد التعاون المشترك لتجاوز ما يعوزه، كما تفرض ضرورات وإشراطات الحياة الاجتماعية الاتجاه نحو إرساء العلاقة بين الأنا والغير على ضوابط تكفل لهما حق البقاء. ففي ظل الاختلاف الذي تشهده الحياة الفردية والاجتماعية، كان لزاما على الأفراد وضع قواعد يمتثل لها الجميع عن طواعية لاستمرار العلاقة بين الذوات؛ غير أن إصرار الجميع على تحقيق طموحاتهم لا يوازيه التزامهم بالضوابط المتفق عليها، مما ساعد على بروز أفعال وسلوكات تطغى عليها الأنانية. الشيء الذي نفهم معه أن العلاقة بين الأنا والغير يمكن أن تكون متوترة ويكون هاجسها القضاء على بعضهما البعض، لا سيما إذا كانت أسباب الصراع تُختزل في ما هو مادي أو مصلحي. ومن ثمة يتضح أن إشكالية العلاقة بين الأنا والغير، يطغى عليها طابع التعقيد. غير أن التفكير في هذه العلاقة يقتضي التساؤل عن ماهية الغير أولا؛ فما الغير؟ وما طبيعة العلاقة بينه وبين الأنا؟ هل هي علاقة يكون أساسها المحبة والصدق والتواصل، أم علاقة تقوم على الاقصاء والعداء والتزييف؟ وإلى أي حد يمكن أن يستمر الكره والعداء للغير؟ ألا ينطوي هذا سلبا على القيم الإنسانية الكونية؟

مطلب التحليل (5ن)

يعرض صاحب النص - كجواب عن الاشكال أعلاه- أطروحة مضمونها أن العلاقة مع الغير تبدو في ظاهرها علاقة تواصل وانفتاح بينما هي في الواقع، علاقة انزواء وانعزال، لأن علاقتنا بالغير تقف على المستوى النفعي فقط أي، ما يرضينا ويشبعنا ملاذا، وتنتهي علاقتنا به بانتهاء المصالح، وهذا ما يؤكد زيف العلاقة بين الأنا والغير. في هذا الصدد يظهر أن الجهاز المفاهيمي الذي بُنيت عليه أطروحة النص يتحدد من خلال مفهوم الغير، وضمير النحن "نا" كإشارة على الأنا أو الذات، تُعرف هذه الأخيرة (الأنا) بمجموع المحددات الماهوية المشتركة بين الأجناس البشرية، لكنها تختلف من كائن إلى آخر، ومن خصائصها: الوعي، التفكير، المسؤولية والحرية...على هذا الأساس تتميز الذات في وضعها عن كافة الأشياء والكائنات الأخرى؛ بينما الغير يشكل الذات الأخرى التي لديها نفس الخصائص التي تميز الأنا، فتشبهها وتختلف عنها في الآن ذاته، لكن المتأمل في ذاته سيدرك لا محالة أنه يتقمص نعتين: "الأنا"، وذلك حينما يتحدث عن ذاته بضمير (أنا) و "الغير" حينما ينعته الآخر بضمير (أنت). لكن الاختلاف لا يقف عند المستوى اللغوي فقط، وإنما يتعداه إلا الاختلاف الجذري على المستوى الباطني مادامت كل ذات تعيش عالمها الداخلي الخاص وبشكل مستقل. وهو ما ينعكس على البعد العلائقي، الذي تصوره صاحب النص في الانعزال. ويظهر ذلك بجلاء لما انطلق صاحب النص من اعتبار العلاقة مع الغير علاقة ظرفية ومحدودة،  معتبرا ارتباط الأنا بالغير يتحقق عندما يحقق لها الرضا والاطمئنان، ليخلص إلى كون العلاقة السالفة الذكر كسيرورة للانعزال، بمعنى سيرورة ومقاومة ضد الغير.

وفي دفاع صاحب النص عن أطروحته سلك سلما حجاجيا تمثل في اعتماده على الاستدلال بالقياس المنطقي، بحيث انتقل من مقدمة أولية، اعتبر فيها أن فحص العلاقة مع الغير تسير نحو الانعزال، إلى نتيجة لازمة عنها أي أن هذه العلاقة في الواقع فعلا سيرورة انزواء وانعزال. مستثمرا في ذلك بعض الأساليب الاقناعية  كسلطة الأنا/ النحن، ويظهر هذا لما أكثر من الصيغ الدالة على الذات المتكلمة ( فحصنا، علاقتنا، سنرى، نرتبط...) ثم الحجة الواقعية (إذا فحصتم حياتكم بدقة...) التي أراد من خلالها إثبات حقيقة زيف العلاقة مع الغير كسيروة بناء ومقاومة ضده. كل هذه الحجج وغيرها مكنت صاحب من إقرار الطابع المصلحي و الأناني في علاقة الأنا مع الغير، الذي ينحو منحى الانزواء والانعزال.

مطلب المناقشة (5ن)

إن المتأمل في النص –قيد التحليل والمناقشة- سيدرك أن أطروحته دحض لفكرة أن العلاقة مع الغير هي علاقة يطبعها الود والاحترام والصداقة.. لكن السؤال الذي يمكن طرحه في هذا الصدد؛ أي قيمة تكتسيها هذه الأطروحة؟ وما حدودها؟ وبتعبير آخر، ما الهفوات والثغرات التي قد تشوبها؟

تكشف أطروحة النص عن الوجه الآخر الذي نظل نخفيه في علاقتنا مع الغير، الظاهر انفتاحها والباطن انغلاقها، كتجل من تجليات زيف العلاقة بين الأنا والغير ، والتي تميل فيها الأنا نحو العزلة في حقيقة الأمر، وهذا ما يكسبها قيمة، وبالعودة إلى واقعنا اليوم نشهد بالفعل انكماش العلاقات الاجتماعية بين الافراد، خصوصا في ظل انتشار الوسائل التكنولوجية التي انطوت سلبا على قيم التواصل والانفتاح، نجد هذا الأمر داخل الأسر، فما بالك بالخارج ! وهنا تظهر راهنية الأطروحة كذلك. وهذا الأمر راجع على عدة عوامل من بينها الاستقلالية والانفصال والرغبة في النظر إلى الآخر كموضوع خارجي، كما تصور ذلك الفيلسوف الوجودي المعاصر "جون بول سارتر"، وهو ما يجعل وجود أحدهما سلبا للآخر ونفيا له، وذلك حين يسعى كل واحد منهما لتشييء الآخر والنظر إليه كموضوع فاقد لمقومات الشخص من وعي وإرادة وحرية، هنا تتوتر العلاقة مع الغير بل يمكن أن تصل إلى مستوى اعتباره جحيما كما عبر عن ذلك سارتر بقوله " الجحيم هم الآخرون". لكن لما نتحدث عن قيم الصداقة والتعاون والتضامن .. تجد هذه الاطروحة حدودا لها. لذلك قيم الأنانية والتوحش تسائل موقع الإنسان من القيم النبيلة والكونية؟

هنا، يجب العودة إلى العصر الحديث، عصر التنوير، للحديث عن البعد الأخلاقي في إشكالية العلاقة مع الغير، مع الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط ، والذي يتصورها بعيدا عن كل مصلحة أو تشييء للإنسان، بحيث يقتضي التعامل معه من منطلق كونه غاية في ذاته، باعتباره الكائن الوحيد الذي يستحق أن ينظر إليه على الدوام كغاية وليس على كوسيلة لقضاء غايات أخرى، بمعنى يستوجب احترامه لذاته على نحو مطلق. ويتصور كانط "الصداقة" في صورتها المثلى كأساس للعلاقة مع الغير، التي يتحقق فيها تبادل مشاعر الحب والاحترام، لأن غاية الصداقة في آخر المطاف هي تحقيق خير الصديقين اللذين جمعت بينهما إرادة أخلاقية طيبة، بشرط أن تقوم هذه الصداقة على أساس أخلاقي خالص. لكن هل التصور الكانطي الأخلاقي قابل للتحقق، أم أنه تصور ينطلق من مستوى ما ينبغي أن يكون متجاوزا ما هو كائن؟ إذا ما عدنا للتاريخ لنلقي نظرة على  القرن 19 الذي شهد حراكا واضحا، ترتب عنه توجهات متعددة كبوادر للصراع الذي ذهب ضحيته الانسان خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، سندرك همجية الكائن البشري، الذي ألحق الضرر بالإنسان والطبيعة. في هذا الصدد تأتي دعوة عالم الاجتماع ومؤسس الفلسفة الوضعية "أوغست كونت" بشكل صريح من خلال كتابه "مواعظ وضعية"، فينبغي على الجميع حسبه، أن يكفوا عن نزوعاتهم الفردية و الخاصة و أن يتجهوا عكس ذلك نحو الانخراط في أعمال تعود عليهم وعلى الإنسانية بالنفع، لكن هذا الأمر لا يمكن أن يتحقق مالم يتم تجذير أساس "الغيرية" لدى كل واحد، بحيث ينبغي على الجميع أن يعرف أن عمق وجوده يتحدد في كونه وجودا من أجل الغير، لأن الانسان منذ ولادته وهو يتلقى خيرات  لا تحصى من الغير، وعليه كرد للجميل أن يعترف بفضله، وأن يكف عن كل ما هو أناني. لذلك، لا يمكن حصر إشكالية العلاقة مع الغير في صورة الصراع والكراهية أو الصورة التي يطبعها النفاق الاجتماعي كما ينظر إلى ذلك صاحب النص.

مطلب التركيب (3ن)

إن ما يمكن أن نستنجه من مضامين التحليل والمناقشة، أن إشكالية العلاقة مع الغير إشكالية شائكة يصعب رسم حدودها النظرية، فهي علاقة يتداخل فيها ما هو ذاتي بما هو موضوعي، ما هو مجتمعي بما هو كوني. فقد يكون الانفتاح على الغير بالمستوى الظاهري فقط، أما الباطني فهو على العكس من ذلك خصوصا إذا كانت العلاقات الإنسانية محكومة بما هو نفعي، فتنتهي بانتهاء المنافع، لذلك يقتضي الأمر التعامل مع الانسان كغاية بعيدا عن منطق التبضيع والتسليع، فيكفي ما عانته الإنسانية  جراء سيادة النزعات المتوحشة التي لا تؤمن إلا بالقوة والسلاح واستغلال الانسان لأخيه الانسان. وهذا هو مجمل القول ويبقى الموضوع قابل للنقاش بأوجه وزوايا نظر مختلفة ومتعددة.

 

ملحوظة: تمنح 3 نقط على الجوانب الشكلية ، إذا ما توفرت في ورقة المترشح  العناصر التالية: (سلامة اللغة وخلوها من الأخطاء الاملائية، تماسك الفقرات، احترام علامات الترقيم، وضوح الخط..)


   PDF رابط التحميل بصيغة  من هــــنــــا

لمعرفة طرق الاشتغال على النص في الامتحان يمكنكم متابعة الخطوات بالفيديو 







هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. شكرا على هذا الشرح
    ونتمنى المزيد من العطاء .

    ردحذف

إرسال تعليق