القائمة الرئيسية

الصفحات

نموذج تطبيقي للاشتغال على القولة المرفقة بسؤال أو مطلب/ إنجاز الأستاذ عبد الواحد مبارك


 إنجاز ذ. عبد الواحد مبارك/ ثانوية لمزم الاعدادية


الامتحان الوطني الموحد للبكالوريا سنة 2017 الدورة العادية مسلك الآداب


الموضوع الثاني: "لا حاجة لنا لمعيار آخر لتمييز الحقيقة سوى الوضوح الذاتي الذي يطبعها"

انطلاقا من اشتغالك على القولة بين(ي) ما إذا كان الوضوح الذاتي معيارا كافيا للحقيقة


مطــلــــب الفـــهــــم (4 ن)


 لا شك أن هدف الإنسان، حين يطرح أي سؤال، فهو يرغب في المعرفة. وأحيانا تكون الإجابات المقدمة له غير مطمئنة، أو بالأحرى لم تشف فيه غليل السؤال، مخافة أن يكون ما بلغه مجرد أوهام، لذلك فهو يتساءل باستمرار، ليس لغرض المعرفة فقط، بل يريد بلوغ الحقيقة باعتبارها غاية أسمى. لكن سموها لا يجعل الكائن البشري يرتكن للتسليم المطلق بصحتها، فهو لا يتوانى في إعادة طرح السؤال، لأن الحقيقة في كثير من الأحيان تختلط بأضدادها، كالوهم والكذب والتزييف.. وهنا سيجد الإنسان نفسه مرة أخرى أمام سؤال، كيف أعرف؟ وهذا يعني، أن الحقيقة ليست معطى جاهزا، بل تكون خاضعة لمعايير. كثيرة هي اللحظات التي يجد فيها الإنسان نفسه أمام معرفتين، واحدة سليمة وأخرى خاطئة، لكنه مع ذلك لا يعرف الحدود الفاصلة بينهما، مما يتطلب منه التمييز بين ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي، وذلك  بغرض قطع دابر الحقائق التي تتأسس على الأهواء والآراء الذاتية. لكن التفكير في أسس الحقيقة، يجعلنا نتساءل: عن ماهيتها أولا؟ وكيف تتأسس؟ وما هو معيار صدقها، هل هو مطابقتها للواقع أم للعقل، أم لذاتها؟ وإذا سلمنا بوضوح الحقيقة، فهل هذا الوضوح الذاتي كاف لها، أم هي في حاجة ماسة لمعايير أخرى؟ وإلى أي حد يمكن التسليم بثبات ويقين الحقيقة في ظل تغير معاييرها؟


مطــــلــب الـتــحــــليل (5ن)


لمقاربة الاشكال الذي تثيره القولة، يقتضي الأمر من الناحية المنهجية، الوقوف على مكوناتها بالشرح بالتوضيح؛ والبداية مع المفهوم المركزي الذي يشكل موضوع القولة، أي مفهوم الحقيقة؛ ويحيل هذا الأخير على معان متعددة، باعتباره مفهوما فلسفيا، فمن جهة بعني المطابقة، والشيء الحقيقي هو المطابق للواقع أو للعقل، ومن جهة أخرى هناك حقائق لا يتوقف صدقها لا على الواقع ولا على العقل، ذلك أن يقينها مرتبط بوضوحها وتماسكها الداخلين، ولعل هذا ما تحيل عليه القولة، هذا الوضوح الداخلي من حيث هو عنصر داخلي يفرض نفسه على الذهن دون حاجة إلى برهان، وبتعبير آخر يمكن القول - تجاوزا- أن الوضوح الداخلي هو تلك المعرفة المباشرة بالموضوعات التي لا تحتاج إلى وسائط من أجل التيقن من صحتها، كما يمكن أن يحيل على البداهة، والشيء البديهي هو الشيء الواضح بذاته ولا يحتاج إلى دليل. ماذا يفيد هذا المعنى؟ يفيد أن معيار تمييز الحقيقة هو الوضوح الذاتي الذي يطبعها، بمعنى أن فكرة الصفة والمحمول هي في الحقيقة متضمنة في الموضوع. فحين نقول مثلا يصدق على الكل أن يكون أكبر من جزئه، أو الجزء أصغر من الكل؛ كالشجرة وسط الغابة، أو رأس الانسان أصغر من جسمه بكامله... فنحن هنا لا نحتاج إلا أن نعتبر القضية واضحة بذاتها ولا تحتاج إلى برهان، إذ البرهان لا يقوم بشيء إلا أن يبين وضوح القضية، والحال أن وضوحها جعلنا نستغني عنه (البرهان). فالحقيقة الواضحة تعفي العقل من البحث عن الأدلة والبراهين، وتمنع استمرار التسلسل إلى ما نهاية له. ولهذا يوجد قول عظيم الدلالة لأرسطو، وهو أن البرهان لا يعني بوجه خاص إلا الكلام الداخلي، لا الخطاب الخارجي، لأنه لا يوجد برهان لا يمكن ان يجحده شخص عنيد، يلزم نفسه لأن يحتج ويعاند بقوله حتى الأشياء التي يقتنع بها داخليا. ولهذا فنحن نتأكد، في علاقتنا بذواتنا، من وضوح الأفكار والأشياء التي يقبلها عقلنا ولا يمكن أن ننخدع من وضوحها، مادام النور الفطري للعقل قائما.  من تمة يكون معيار الحقيقة معيارا ذاتيا وداخليا لا خارجيا. فأي قيمة يكتسبها هذا التصور؟


مطلب المناقشة (5ن)


تتجلى قيمة أطروحة القولة في إعلائها من أهمية الوضوح الذاتي كمعيار للتمييز بين الحقيقة وما عداها من الكذب والأوهام، باعتباره معيارا يفرض ذاته على كل باحث عن الحقيقة، ويعفيه من البحث عن الأدلة، لأن معيار صدقها لا يستنبط من شيء خارجي، وإنما من الحقيقة ذاتها، ذلك أن الحكم على المعارف بالصحة أو الخطأ متوقف على وضوحها أمام العقل. في هذا الصدد يمكن أن نسجل التقاطع الحاصل بين القولة وموقف الفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا، حين أكد على أن الانسان يملك من المؤهلات ما يكفيه للفصل بين المعارف الصائبة والخاطئة، وذلك من خلال البحث عما يجعلها واضحة ومتطابقة مع موضوعها؛ مما يعني أن معيار صدقها كامن فيها وليس خارجها، لأنه ليس هناك ما هو أوضح من الحقيقة ذاتها. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ومعه يمكن أن نستشف حدود هذا الطرح؛ هل الحقيقة واحدة حتى نحكم بثبات معيارها هذا، معيار الوضوح الذاتي؟

لا يمكن حصر معيار الحقيقة في وضوحها الداخلي فقط، لأن اصطدام العقل بمعارف مختلفة يدعونا إلى ضرورة سلك منهج محكم وصارم من أجل بلوغ حقيقتها؛ فعندما يتعلق الأمر بمعارف سهلة، يكفي إخضاعها للعقل الذي يستطيع بفضل آلياته التعرف عليها بشكل مباشر عن طريق البداهة، أما عندما يتعلق الأمر بمعارف مركبة ، فلابد من تفكيكها لإدراك كل جزء منها على حدة، ولا يمكن فهم هذا الأمر دون العودة للفيلسوف الفرنسي والأب الروحي للفلسفة الحديثة روني ديكارت الذي اعتبر بلوغ الحقيقة يتطلب اعتماد طريقتين، هما الحدس والاستنباط، على أساس أن يعتمد الأول في المعارف البسيطة والمباشرة، لأن صدقها متوقف على وضوحها وتميزها، أما الثاني (الاستنباط) فيتبع في معرفة الأشياء المركبة والاستدلالية، باتباع ثلاث خطوات: التحليل والتركيب والمراجعة بشكل منسجم.

لا يمكن كذلك حصر معيار الحقيقة في الوضوح الذاتي، لأننا نعلم جيدا أن كل وضوح للقضايا، إنما يجيء من الحواس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فحتى المسلمات لو اعتبرت واضحة وبديهية: مثل الكل أكبر من الجزء فلا يصدقها فكرنا، إلا لأننا منذ طفولتنا قد لاحظنا بوجه خاص أن كل إنسان هو أكبر من رأسه، وأن كل منزل أكبر من أي غرفة فيه، وكل غابة أكبر من شجرة، والسماء أكبر من نجم فيها...فحتى مثل هذه الأمور التي نتلقاها منذ صغرنا وما يتم تداوله بين الناس قد يكون في بعض الأحيان خاطئا، لهذا السبب يرى فيتجنشتاين أن معيار صدق القضايا والأحكام هو التحقق التجريبي، عن طريق مقارنتها بالواقع. ومن هذا كله يظهر بشكل جلي اختلاف معايير الحقيقة والتي يتبين معها قصور الوضوح الذاتي إذا ما اعتبرناه معيارا واحدا ووحيدا للحقيقة، لهذا لا يكتسي الوضوح الذاتي كمعيار للحقيقة نفس الأهمية في كافة مجالات المعرفة، الشيء الذي نفهم معه مكامن حدود وهفوات أطروحة القولة ككل.


مطلب التركيب (3ن)


ما يمكن استخلاصه من مضامين التحليل والمناقشة، أن اختلاف الحقائق راجع إلى اختلاف مواضيعها، الشيء الذي جعل معاييرها تختلف كذلك، فيمكن أن يكون معيار الحقيقة كامن في وضوحها الداخلي، كما يمكن أن يكون الواقع أو العقل أو التحقق التجريبي أو الجانب النفعي فيها، أو الكوني .. معاييرا لها، وهذا الاختلاف في حد ذاته يخفي في طياته جانبا قيميا ألا وهو، لا أحد يمكنه ادعاء امتلاك الحقيقة. وهذا ما يجعل الموضوع يكتسي راهنيته، خصوصا إذا تأملنا واقعنا اليوم؛ هناك من لا يرغب في زعزعة حقائقه، بل يمكن أن تصل به دغمائية أفكاره إلى تعنيف كل من يختلف عنه، معتقدا أن حقائقه لا تعانق الخطأ والوهم. فيمكن القول ،إن جاز التعبير، أن التعصب اليوم صار مصدر كل الشرور. لذا ينبغي أن نؤمن بأن الاختلاف هو الأساس الذي يقتضي الدفاع عنه بدل الحقائق والتعصب لها.


ملحوظة: تمنح 3 نقط على الجوانب الشكلية ، إذا ما توفرت في ورقة المترشح  العناصر التالية: (سلامة اللغة وخلوها من الأخطاء الاملائية، تماسك الفقرات، احترام علامات الترقيم، وضوح الخط..)

للتحميل بصيغة  pdf  يمكنك ذلك من هـــــنـــــــا 



لمعرفة طريقة الاشتغال على القولة يمكنكم الاستعانة بالفيديو التالي :

 


أنت الان في اول موضوع
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

3 تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق